فصل: (فَرْعٌ): (الحج عن الأبوين):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [حجُّ العبيدِ والإماء]:

(وَيَصِحَّانِ)، أَيْ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، (مِنْ قِنٍّ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّغِيرِ الْحُرِّ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ، (وَيَلْزَمَانِهِ)، أَيْ: يَلْزَمُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ الْقِنَّ الْبَالِغَ (بِنَذْرِهِ) لَهُمَا، لِعُمُومِ حَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ هُوَ)، أَيْ: الْقِنُّ بِنَذْرٍ وَلَا نَفْلٍ، وَمِثْلُهُ مُدَبَّرٌ، وَأُمُّ وَلَدٍ، (وَلَا) أَنْ تُحْرِمَ (زَوْجَتُهُ بِنَفْلٍ) حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (بِلَا إذْنِ سَيِّدٍ وَزَوْجٍ)، لِتَفْوِيتِ حَقِّهِمَا بِالْإِحْرَامِ، (فَإِنْ فَعَلَا)، أَيْ: عَقَدَ الْقِنُّ وَالْمَرْأَةُ الْإِحْرَامَ بِنَفْلٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدٍ وَزَوْجٍ، (حُلِّلَا)، أَيْ: حَلَّلَهُمَا السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ، لِتَفْوِيتِ حَقِّهِمَا، (وَالْأَفْضَلُ تَرْكُهُمَا) مُحْرِمَيْنِ، (وَيَكُونَانِ)، أَيْ: الْقِنُّ وَالزَّوْجَةُ، (كَمُحْصَرٍ) عَلَى مَا يَأْتِي (وَيَأْثَمُ مَنْ لَمْ يَمْتَثِلْ) مِنْ قِنٍّ وَزَوْجَةٍ، (وَلَهُ وَطْءُ مُخَالِفَةٍ) مِنْ (أَمَةٍ وَزَوْجَةٍ) أَحْرَمَتْ بِدُونِ إذْنِهِ بِنَفْلٍ. (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (وَتَلْزَمُهُمَا)، أَيْ: الْأَمَةَ وَالزَّوْجَةَ، (الْفِدْيَةُ) عُقُوبَةً لَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. و(لَا) يَجُوزُ لِسَيِّدٍ وَزَوْجٍ تَحْلِيلُهُمَا (مَعَ إذْنِهِ) لَهُمَا فِي إحْرَامٍ، لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ، (وَيَصِحُّ) مِنْ سَيِّدٍ وَزَوْجٍ (رُجُوعٌ فِيهِ)، أَيْ: إذْنٍ بِإِحْرَامٍ، (قَبْلَ) شُرُوعٍ ب (إحْرَامٍ) كَوَاهِبٍ أَذِنَ لِمَوْهُوبٍ لَهُ فِي قَبْضِ هِبَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَهُ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا) بِالرُّجُوعِ، وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَمَتَى عَلِمَا بِرُجُوعٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِمَا الْإِحْرَامُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا بِالرُّجُوعِ فِي الْإِذْنِ، فَالْخِلَافُ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَزْلِ مُوَكِّلِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ، وَالْحُكْمُ هُنَا كَذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعٌ فِي إذْنٍ بَعْدَ إحْرَامٍ لِلُزُومِهِ، و(لَا) يَجُوزُ لِسَيِّدٍ وَزَوْجٍ تَحْلِيلُ قِنٍّ وَزَوْجَةٍ أَحْرَمَا (بِنَذْرٍ أُذِنَ)، أَيْ: أَذِنَ (فِيهِ) زَوْجٌ وَسَيِّدٌ (لَهُمَا)، أَيْ: الْقِنِّ وَالزَّوْجَةِ، لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي نَذْرِهِ إذْنٌ فِي فِعْلِهِ، (أَوْ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ)، أَيْ: النَّذْرِ (لَهَا)، أَيْ: الزَّوْجَةِ، فَلَا يُحَلِّلُهَا فِيهِ لِوُجُوبِهِ كَالْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ. (وَحَرُمَ) عَلَى الزَّوْجِ (مَنْعُهَا مِنْ حَجٍّ فَرْضٍ كَمُلَتْ شُرُوطُهُ) كَبَقِيَّةِ الْوَاجِبَاتِ. (وَسُنَّ لَهَا اسْتِئْذَانُهُ) نَصًّا، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا كَتَبَتْ إلَيْهِ، فَإِنْ أَذِنَ، وَإِلَّا حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ، (فَلَوْ لَمْ تَكْمُلْ) شُرُوطُهُ، فَلَهُ مَنْعُهَا، (وَ) إنْ (أَحْرَمَتْ بِهِ بِلَا إذْنِهِ لَمْ) يَمْلِكْ أَنْ (يُحَلِّلَهَا)، لِوُجُوبِ إتْمَامِهِ بِشُرُوعِهَا فِيهِ، (فَلَوْ أَحْرَمَتْ بِوَاجِبٍ) مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، (فَحَلَفَ) زَوْجُهَا، (وَلَوْ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ لَا تَحُجُّ الْعَامَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ تَحِلَّ) مِنْ إحْرَامِهَا لِلُزُومِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَإِنْ أَفْسَدَ قِنٌّ حَجَّهُ بِوَطْءٍ) فِيهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، (مَضَى) فِي فَاسِدِهِ (وَقَضَاهُ) كَحُرٍّ، (وَيَصِحُّ) الْقَضَاءُ مِنْ قِنٍّ مُكَلَّفٍ (فِي رِقِّهِ) كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ، فَإِنْ عَتَقَ بَدَأَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، (وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ) مِنْ قَضَاءٍ (إنْ) كَانَ (شَرَعَ فِيمَا أَفْسَدَهُ) مِنْ حَجٍّ أَوَعُمْرَةً (سَابِقًا بِإِذْنِهِ)، أَيْ: السَّيِّدِ، لِأَنَّ إذْنَهُ فِيهِ إذْنٌ فِي مُوجَبِهِ، وَمِنْهُ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ، فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ، (وَإِنْ عَتَقَ) الْقِنُّ فِي حَجَّةٍ فَاسِدَةٍ، (أَوْ بَلَغَ الْحُرُّ فِي حَجَّةٍ فَاسِدَةٍ)، وَكَانَ عِتْقُهُ أَوْ بُلُوغُهُ (فِي حَالٍ تُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ لَوْ كَانَتْ) الْحَجَّةُ الْفَاسِدَةُ (صَحِيحَةً) بِأَنْ كَانَ قَبْلَ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ، وَعَادَ وَوَقَفَ، وَلَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، (مَضَى) فِيهَا وَقَضَاهَا فَوْرًا (وَأَجْزَأَتْهُ حَجَّةُ) الْقَضَاءِ عَنْ حَجَّةِ (الْإِسْلَامِ وَعَنْ حَجَّةِ الْقَضَاءِ)، لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَإِنَّمَا أَخْرَجْتُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِيُوَافِقَ أَصْلَيْهِ وَغَيْرَهُمَا (وَقِنٌّ فِي جِنَايَتِهِ) بِفِعْلِ مَحْظُورٍ فِي إحْرَامِهِ، (كَحُرٍّ مُعْسِرٍ) فِي الْفِدْيَةِ بِالصَّوْمِ عَلَى مَا يَأْتِي، (وَإِنْ تَحَلَّلَ) قِنٌّ (بِحَصْرِ) عَدُوٍّ لَهُ، (أَوْ حَلَّلَهُ سَيِّدُهُ) لِإِحْرَامِهِ بِلَا إذْنِهِ، (لَمْ يَتَحَلَّلْ قَبْلَ صَوْمٍ)، كَحُرٍّ أُحْصِرَ وَأُعْسِرَ، فَيَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ، ثُمَّ يَتَحَلَّلُ. (وَلَا يُمْنَعُ) الْقِنُّ (مِنْهُ)، أَيْ: الصَّوْمِ نَصًّا، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، (وَإِنْ مَاتَ) قِنٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمٌ بِسَبَبِ إحْرَامِهِ، (وَلَمْ يَصُمْ، فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ)، ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ وَالْمُرَادُ: يُسَنُّ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، (عَلَى مَا مَرَّ قُبَيْلَ صَوْمِ التَّطَوُّعِ) فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْتَ. (وَإِنْ أَفْسَدَ) قِنٌّ (حَجَّهُ، صَامَ) عَنْ الْبَدَنَةِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ كَحُرٍّ مُعْسِرٍ، (وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ) قِنٌّ (أَوْ قَرَنَ)، أَوْ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ، صَامَ عَنْ الدَّمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمُشْتَرِي) الْقِنِّ (الْمُحْرِمِ كَبَائِعِهِ فِي تَحْلِيلِهِ) إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِلَا إذْنٍ، (وَ) فِي (عَدَمِهِ) إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِإِذْنٍ، لِقِيَامِ الْمُشْتَرِي مَقَامَ بَائِعِهِ، (وَلَهُ)، أَيْ: الْمُشْتَرِي (الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ) بِإِحْرَامِ الْقِنِّ، (وَلَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهُ)، لِتَعَطُّلِ مَنَافِعِهِ عَلَيْهِ زَمَنَ إحْرَامِهِ، فَإِنْ مَلَكَ مُشْتَرٍ تَحْلِيلَهُ، فَلَا فَسْخَ لَهُ، لِأَنَّ إبْقَاءَهُ فِي الْإِحْرَامِ كَإِذْنِهِ فِيهِ ابْتِدَاءً. وَكَذَا لَا فَسْخَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ. (وَلِكُلٍّ مِنْ أَبَوَيْ) حُرٍّ (بَالِغٍ مَنْعُهُ)، أَيْ: الْوَلَدِ الْبَالِغِ (مِنْ إحْرَامٍ بِنَفْلٍ) حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، (ك) مَنْعِهِ مِنْ نَفْلِ (جِهَادٍ) لِلْأَخْبَارِ، وَمَا يَفْعَلُهُ فِي الْحَضَرِ مِنْ نَفْلٍ، نَحْوِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنٌ، وَكَذَا السَّفَرُ لِوَاجِبٍ كَحَجٍّ وَعِلْمٍ، لِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ كَالصَّلَاةِ (وَلَا يُحَلِّلَانِهِ)، أَيْ: الْبَالِغَ إذَا أَحْرَمَ، (وَحَرُمَ طَاعَتُهُمَا)، أَيْ: وَالِدَيْهِ (فِي مَعْصِيَةٍ، كَتَرْكِ حَجٍّ وَسَفَرٍ لِعِلْمٍ وَاجِبَيْنِ)، لِحَدِيثِ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ». (وَلَيْسَ لَهُمَا مِنْ نَحْوِ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ) قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ يَتَأَخَّرُ عَنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِأَجْلِ أَبِيهِ: لَا يُعْجِبُنِي، هُوَ يَقْدِرُ أَنْ يَبَرَّ أَبَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا (وَوَقَعَ خِلَافٌ) بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا (فِي الْمُبَاحِ) كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (فَقِيلَ: يَلْزَمُهُ طَاعَتُهُمَا) فِيهِ (وَلَوْ كَانَا فَاسِقَيْنِ)، هَذَا ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، (ف) عَلَى هَذَا (لَا يُسَافِرُ) لِنَحْوِ تِجَارَةٍ (إلَّا بِإِذْنِهِمَا)، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا، أَيْ: وُجُوبُ طَاعَتِهِمَا، فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ، وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى.
(وَيَتَّجِهُ: صِحَّةُ هَذَا) الْقَوْلِ، أَيْ: وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِي الْمُبَاحِ (فِي سَفَرِهِ، وَفِي كُلِّ مَا يَخَافَانِ عَلَيْهِ مِنْهُ) كَسِبَاحَةٍ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَمُسَابَقَةٍ عَلَى نَحْوِ خَيْلٍ، وَهَذَا اتِّجَاهٌ حَسَنٌ، (وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ) الْحُرُّ الْبَالِغُ (حَضَرًا كَصَلَاةِ النَّافِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ الشَّرْعِيَّةِ، (فَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ: لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُهُمَا، وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَعْتَبِرُهُ وَلَا وَجْهَ لَهُ) قَطْعًا، (وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ. انْتَهَى) مَا قَالَهُ فِي الْآدَابِ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِلَا ارْتِيَابٍ (وَلَا يَحِلُّ غَرِيمٌ مَدِينًا) أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوَعُمْرَة لِوُجُوبِهِمَا بِالشُّرُوعِ، (وَلَيْسَ لِوَلِيِّ سَفِيهٍ مُبَذِّرٍ) بَالِغٍ (مَنْعُهُ مِنْ حَجِّ فَرْضٍ) وعُمْرَتِهِ، (وَلَا تَحْلِيلُهُ) مِنْ إحْرَامٍ بِأَحَدِهِمَا لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ، (وَتُدْفَعُ نَفَقَتُهُ لِثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ) نِيَابَةً عَنْ وَلِيِّهِ، (وَيُحَلَّلُ) سَفِيهٌ (بِصَوْمٍ) كَحُرٍّ مُعْسِرٍ (إنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ وَزَادَتْ نَفَقَتُهُ)، أَيْ: السَّفَرِ (عَلَى نَفَقَةِ الْإِقَامَةِ وَلَمْ يَكْتَسِبْهَا) السَّفِيهُ فِي سَفَرِهِ فَإِنْ كَانَتْ تَعْدِلُ نَفَقَةَ الْحَضَرِ، أَوْ زَادَتْ وَكَانَ يَكْتَسِبُ الزَّائِدَ لَمْ يُحَلَّلْ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الزَّائِدِ فِي مَالِهِ. الشَّرْطُ (الْخَامِسُ) لِوُجُوبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: (الِاسْتِطَاعَةُ) لِلْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ (لِمُكَلَّفٍ بِهِ)، أَيْ: الْحَجِّ، (وَلَا تَبْطُلُ) الِاسْتِطَاعَةُ (بِجُنُونٍ) وَلَوْ مُطْبِقًا، فَيُحَجُّ عَنْهُ، (و) كَذَا لَا تَبْطُلُ الِاسْتِطَاعَةُ (بِرِدَّةٍ، وَتُشْتَرَطُ) الِاسْتِطَاعَةُ (لِوُجُوبِ) الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (فَقَطْ) دُونَ إجْزَائِهِمَا، (وَهِيَ)، أَيْ: الِاسْتِطَاعَةُ: (مِلْكُ زَادٍ يَحْتَاجُهُ فِي سَفَرِهِ) ذَهَابًا وَإِيَابًا مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَكِسْوَةٍ، (وَ) مِلْكُ (وِعَائِهِ)، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، (وَلَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُ)، أَيْ: الزَّادِ، (إنْ وُجِدَ) بِثَمَنٍ مِثْلِهِ، أَوْ زَائِدٍ يَسِيرًا (بِالْمَنَازِلِ) فِي طَرِيقِ الْحَاجِّ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، (وَمِلْكُ رَاحِلَةٍ) لِرُكُوبِهِ (بِآلَتِهَا)، أَيْ: الرَّاحِلَةِ بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ (تَصْلُحُ)، أَيْ: الرَّاحِلَةُ، (لِمِثْلِهِ مِنْ نَحْوِ رَحْلٍ وَقَتَبٍ وَهَوْدَجٍ)، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَمِنْ الِاسْتِطَاعَةِ تَحْصِيلُ خَادِمٍ إنْ خُدِمَ مِثْلُهُ، إذْ هُوَ كَآلَةِ الرَّاحِلَةِ وَأَوْلَى، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا يُوجِبُ الْحَجَّ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ السَّبِيلِ، فَقَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ. (بِمَسَافَةِ قَصْرٍ) عَنْ مَكَّةَ، و(لَا) يُعْتَبَرُ مِلْكُ رَاحِلَةٍ فِي (مَا دُونَهُ)، أَيْ: مَسَافَةِ الْقَصْرِ عَنْ مَكَّةَ، لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ فِيهَا غَالِبًا، وَلِأَنَّ مَشَقَّتَهَا يَسِيرَةٌ، وَلَا يَخْشَى فِيهَا عَطَبٌ لَوْ انْقَطَعَ بِهَا، بِخِلَافِ الْبَعِيدَةِ (إلَّا لِعَاجِزٍ عَنْ مَشْيٍ) كَشَيْخٍ كَبِيرٍ، فَيُعْتَبَرُ لَهُ مِلْكُ الرَّاحِلَةِ بِآلَتِهَا، (وَلَا يَلْزَمُهُ) السَّيْرُ (حَبْوًا وَلَوْ أَمْكَنَهُ)، وَأَمَّا الزَّادُ فَيُعْتَبَرُ، قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، (أَوْ مِلْكُ مَا يَقْدِرُ بِهِ) مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ (عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ)، أَيْ: الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَآلَتِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ، (فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ عُرْفًا مِنْ كُتُبٍ)، فَإِنْ اسْتَغْنَى بِإِحْدَى نُسْخَتَيْنِ مِنْ كِتَاب بَاعَ الْأُخْرَى، (وَ) مِنْ (مَسْكَنٍ) لِمِثْلِهِ، (وَ) مِنْ (خَادِمٍ) لِنَفْسِهِ، (وَ) عَنْ (مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ نَحْوِ لِبَاسٍ وَغِطَاءٍ) وَوِطَاءٍ وَأَوَانٍ، (فَإِنْ أَمْكَنَ بَيْعُ فَاضِلٍ عَنْ حَاجَتِهِ وَشِرَاءُ مَا يَكْفِيه)، بِأَنْ كَانَ الْمَسْكَنُ وَاسِعًا، أَوْ الْخَادِمُ نَفِيسًا فَوْقَ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَأَمْكَنَ بَيْعُهُ وَشِرَاءُ قَدْرِ الْكِفَايَةِ مِنْهُ، (وَيَفْضُلُ مَا يَحُجُّ بِهِ، لَزِمَهُ) ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ (وَ) يُعْتَبَرُ كَوْنُ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ وَآلَتِهِمَا، أَوْ ثَمَنِ ذَلِكَ فَاضِلًا (عَنْ قَضَاءِ دَيْنٍ) حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ (لِلَّهِ أَوْ آدَمِيٍّ)، لِأَنَّ ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ بِهِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى بَرَاءَتهَا، (وَ) أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ (مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ)، لِحَدِيثِ «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مِنْ يَقُوتُ» (عَلَى الدَّوَامِ)، أَيْ: بِأَنْ يَكُونَ لَهُ إذَا رَجَعَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ دَائِمًا (مِنْ عَقَارٍ أَوْ بِضَاعَةٍ) يَتَّجِرُ فِيهَا، (أَوْ صِنَاعَةٍ وَنَحْوِهَا)، كَعَطَاءِ مِنْ دِيوَانٍ، وَإِلَّا، لَمْ يَلْزَمْهُ، لِتَضَرُّرِهِ بِإِنْفَاقِ مَا فِي يَدِهِ إذَنْ. (وَلَا يَصِيرُ) مَنْ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ (مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ) غَيْرِهِ (ذَلِكَ)، أَيْ: مَا يَحْتَاجُهُ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ، (لَهُ وَلَوْ) كَانَ الْبَذْلُ (مِنْ) وَالِدِهِ أَوْ (وَلَدِهِ) لِلْمِنَّةِ، كَبَذْلِ رَقَبَةٍ لِمُكَفِّرٍ، وَكَبَذْلِ إنْسَانٍ نَفْسَهُ لِيَحُجَّ عَنْ نَحْوِ مَرِيضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَا يَسْتَنِيبُ بِهِ. (وَيَنْبَغِي إكْثَارٌ مِنْ زَادٍ وَنَفَقَةٍ) عِنْدَ إمْكَانِهِ، (لِيُؤْثِرَ مُحْتَاجًا وَرَفِيقًا)، وَأَنْ تَطِيبَ نَفْسُهُ بِمَا يُنْفِقُهُ، لِأَنَّهُ أَعْظَمُ فِي أَجْرِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}. (وَسُنَّ أَنْ لَا يُشَارِكَ غَيْرَهُ فِي زَادٍ وَنَحْوِهِ)، لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْضَى إلَى النِّزَاعِ، أَوْ أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْ رَفِيقِهِ، وَقَدْ لَا يَرْضَى بِهِ، وَاجْتِمَاعُ الرِّفَاقِ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى طَعَامِ أَحَدِهِمْ أَلْيَقُ عَلَى الْمُنَاوَبَةِ فِي الْوَرِعِ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي الزَّادِ، (فَإِنْ تَكَلَّفَ الْحَجَّ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ) وَحَجَّ أَجُزْأَهُ، لِأَنَّ خَلْقًا مِنْ الصَّحَابَةِ حَجُّوا وَلَا شَيْءَ لَهُمْ، وَلَمْ يُؤْمَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْإِعَادَةِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلْوُصُولِ، فَإِذَا وَصَلَ وَفَعَلَ، أَجْزَأَ كَالْمَرِيضِ، فَمَنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُ ذَلِكَ، (وَلَا ضَرَرَ) عَلَيْهِ (وَلَا مَسْأَلَةَ) أَحَدٍ (لِاسْتِغْنَائِهِ بِصَنْعَتِهِ؛ سُنَّ لَهُ الْحَجُّ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. (وَكُرِهَ) الْحَجُّ (لِمَنْ حِرْفَتُهُ الْمَسْأَلَةُ، قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) فِيمَنْ يَدْخُلُ الْبَادِيَةَ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ (لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ، يَتَوَكَّلُ عَلَى أَزْوَادِ النَّاسِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: فَإِنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَحَسُنَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَمْ يَسْأَلْ النَّاسَ، فَلَا كَرَاهَةَ، (فَإِنْ) كَلَّفَ نَفْسَهُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ (وَتَرَكَ بِهِ)، أَيْ: الْحَجِّ، (وَاجِبًا) مِنْ نَحْوِ صَلَاةٍ، وَأَدَاءِ دَيْنٍ وَسَعْيٍ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، (حَرُمَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ. (وَمِنْ الِاسْتِطَاعَةِ سِعَةُ وَقْتٍ) بِأَنْ يُمْكِنَ الْخُرُوجُ وَالسَّيْرُ فِيهِ حَسَبَ الْعَادَةِ، لِتَعَذُّرِ الْحَجِّ مَعَ ضِيقِ وَقْتِهِ، فَلَوْ شَرَعَ وَقْتَ وُجُوبِهِ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، تَبَيَّنَّا عَدَمَ وُجُوبِهِ، لِعَدَمِ وُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ.
(وَ) مِنْهَا (أَمْنُ طَرِيقٍ)- إذْ الْإِلْزَامُ بِدُونِهِ ضَرَرٌ، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرَعَا، (وَإِلَّا) يَكُنْ الطَّرِيقُ آمِنًا وَسَلَكَهُ، وَعَطِبَ، (فَلَا يَكُونُ شَهِيدًا)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ}، (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: لِأَنَّهُ (أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ) بِتَفْرِيطِهِ بِهَا- (يُمْكِنُ سُلُوكُهُ)، أَيْ: الطَّرِيقَ عَلَى الْعَادَةِ، (وَلَوْ) كَانَ الطَّرِيقُ (بَحْرًا) يَغْلِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ سُلُوكُهُ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى، أَشْبَهَ الْبَرَّ، (أَوْ) كَانَ الطَّرِيقُ (غَيْرَ مُعْتَادٍ)، لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنَّهُ مَشَقَّةٌ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ كَبُعْدِ الْبَلَدِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الطَّرِيقِ إمْكَانُ سُلُوكِهِ (بِلَا خِفَارَةٍ) بِتَثْلِيثِ الْخَاءِ (لَا يَسِيرَةٍ)، فَإِنْ كَانَتْ الْخَفَارَةُ يَسِيرَةً لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ؛ لَزِمَهُ بَذْلُهَا، (قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ) كَابْنِ حَامِدٍ وَالْمَجْدِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ وتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ وَصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ وَزَادَ الْمَجْدُ: إذَا أَمِنَ الْقَدْرَ مِنْ الْمَبْذُولِ لَهُ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْخَفَارَةُ تَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الدَّفْعِ عَنْ الْمُخَفَّرِ، وَلَا تَجُوزُ مَعَ عَدَمِهَا، كَمَا فِي أَخْذِ السُّلْطَانِ مِنْ الرَّعَايَا، وَظَاهِرُ الْمُنْتَهَى: لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ مَعَ الْخَفَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً، لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ، فَلَمْ يَلْزَمْ بَذْلُهَا فِي الْعِبَادَةِ، وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقْتَصِرْ الْمُصَنَّفُ عَلَى قَوْلِهِ: لَا يَسِيرَةٍ، بَلْ ذَكَرَهَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَرِّي بِقَوْلِهِ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ. (يُوجَدُ فِيهِ)، أَيْ الطَّرِيقِ، (الْمَاءُ وَالْعَلَفُ عَلَى الْمُعْتَادِ)، بِأَنْ يَجِدَهُ فِي الْمَنَاهِلِ الَّتِي يَنْزِلُهَا، إذْ لَوْ كُلِّفَ لِحَمْلِ مَائِهِ وَعَلَفِ بَهَائِمِهِ فَوْقَ الْمُعْتَادِ مِنْ ذَلِكَ، أَدَّى إلَى مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، فَإِنْ وُجِدَ عَلَى الْعَادَةِ وَلَوْ يَحْمِلُ مِنْ مَنْهَلٍ إلَى آخَرَ، أَوْ الْعَلَفَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ، لَزِمَهُ، لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ.
(وَ) مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ (دَلِيلٌ لِجَاهِلٍ) طَرِيقَ مَكَّةَ، (وَ) مِنْهَا (قَائِدٌ لِأَعْمَى)، لِأَنَّ فِي إيجَابِهِ عَلَيْهِمَا بِلَا دَلِيلٍ وَقَائِدٍ ضَرَرًا عَظِيمًا، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا، (وَيَلْزَمُهُمَا)، أَيْ: الْجَاهِلَ وَالْأَعْمَى (أُجْرَةُ مِثْلِهِمَا) أَيْ: الدَّلِيلِ وَالْقَائِدِ، لِتَمَامِ الْوَاجِبِ بِهِمَا، (فَيُعْتَبَرُ قُدْرَةٌ عَلَيْهَا)، أَيْ: أُجْرَةِ مِثْلِهِمَا، (فَإِنْ تَبَرَّعَا)، أَيْ: الدَّلِيلُ وَالْقَائِدُ، (لَمْ يَلْزَمْ) الْجَاهِلَ وَالْأَعْمَى ذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ. (وَعَنْهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ (هَذِهِ) الشَّرَائِطَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ سِعَةِ الْوَقْتِ، وَأَمْنِ الطَّرِيقِ، وَدَلِيلِ الْجَاهِلِ، وَقَائِدِ الْأَعْمَى (مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ وَالسَّعْيِ)، لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَسَّرَ السَّبِيلَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَلِأَنَّ إمْكَانَ الْأَدَاءِ لَيْسَ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الْعِبَادَةِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ زَالَ الْمَانِعُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا يُمْكِنُ الْأَدَاءُ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْأَدَاءُ دُونَ الْقَضَاءِ، كَالْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ بُرْؤُهُ، وَعَدَمُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْجَمِيعُ، (وَعَلَيْهِ)، أَيْ: عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ أَنَّ هَذِهِ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ، (فَلَوْ مَاتَ) مَنْ وَجَدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ (قَبْلَ ذَلِكَ)، أَيْ: قَبْلَ وُجُودِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ، (وَجَبَ الْحَجُّ فِي مَالِهِ) بِمَوْتِهِ بَعْدَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ شَرْطِ الْوُجُوبِ وَشَرْطِ الْأَدَاءِ أَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ إذَا مَاتَ قَبْلَ وُجُودِهِ، لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ فِي مَالِهِ، وَمَا كَانَ شَرْطًا فِي الْأَدَاءِ وَوُجُوبِ السَّعْيِ إذَا مَاتَ قَبْلَ وُجُودِهِ، فَقَدْ كَمُلَتْ فِي حَقِّهِ شَرَائِطُ الْوُجُوبِ، وَوَجَبَ الْحَجُّ فِي مَالِهِ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي (اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ) مِنْ الْأَصْحَابِ.
(وَ) عَلَيْهِ: فَ (يَأْثَمُ إنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ)، أَيْ: فِعْلِ الْحَجِّ إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَأُمِنَتْ الطَّرِيقُ، وَوَجَدَ الدَّلِيلَ أَوْ الْقَائِدُ، (كَمَا نَقُولُ فِي طُرُوءِ حَيْضٍ) بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، فَإِنَّ الْحَائِضَ تَأْثَمُ إنْ لَمْ تَعْزِمْ عَلَى الْقَضَاءِ إذَا زَالَ، (فَالْعَزْمُ عَلَى الْعِبَادَةِ مَعَ الْعَجْزِ) عَنْهَا (يَقُومُ مَقَامَ الْأَدَاءِ فِي عَدَمِ الْإِثْمِ) حَالَ الْعَجْزِ، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (فَمَنْ كَمُلَتْ لَهُ الشُّرُوطُ) الْخَمْسَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، (وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ) لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (فَوْرًا) نَصًّا (إذَا كَانَ فِي وَقْتِ الْمَسِيرِ)، فَيَأْثَمُ إنْ أَخَّرَهُ بِلَا عُذْرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْفَوْرِ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «تَعَجَّلُوا إلَى الْحَجِّ- يَعْنِي: الْفَرِيضَةَ- فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ» رَوَاه أَحْمَدُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَمْنَعْهُ مَرَضٌ حَابِسٌ أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ، أَوْ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ، فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ، يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» رَوَاه سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ، وَلِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَرْضُ الْعُمْرِ، أَشْبَهَا الْإِيمَانَ، وَأَمَّا تَأْخِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، إمَّا لِأَنَّ اللَّهَ أَطْلَعَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَحُجَّ، فَكَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْإِدْرَاكِ، أَوْ لِخَوْفِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَمُرَاسَلَتِهِمْ لِلرُّومِ الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا لَهُ فِي قَرْيَةِ تَبُوكَ، وَهُوَ قَرِيبُ الْعَهْدِ فِي غَزْوِهِمْ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. (وَالْعَاجِزُ) عَنْ سَعْيٍ لِحَجٍّ وعُمْرَةٍ (لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) لِنَحْوِ زَمَانَةٍ. (وَيَتَّجِهُ: وَمِنْهُ)، أَيْ: الْمَرَضِ الْمَيْئُوسِ مِنْ بُرْئِهِ، الْمُعْجِزِ- مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ- عَنْ فِعْلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ: (شَبَقٌ) شَدِيدٌ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ الصَّبْرَ عَنْ الْجِمَاعِ، (وَجُنُونٌ) مُطْبِقٌ، لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ صَاحِبِهِ لِلنِّيَّةِ، أَوْ غَيْرُ مُطْبِقٍ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَنْ يُدَارِيهِ حَالَ جُنُونِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (أَوْ) ل (ثِقَلٍ) بِحَيْثُ يَصِيرُ (لَا يَقْدِرُ مَعَهُ)، أَيْ: الثِّقَلِ، (رُكُوبًا) عَلَى رَاحِلَةٍ أَوْ فِي مَحْمَلٍ، (إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، أَوْ لِكَوْنِهِ نِضْوَ الْخِلْقَةِ لَا يَقْدِرُ ثُبُوتًا عَلَى رَاحِلَةٍ إلَّا بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ، يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِيمَ نَائِبًا حُرًّا وَلَوْ) كَانَ النَّائِبُ (امْرَأَةً يَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ عَنْهُ)، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَوْرًا مِنْ بَلَدِهِ)، أَيْ: الْعَاجِزِ، لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ. وَيَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ النَّائِبُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لَفْظًا. وَإِنْ نَسِيَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ، نَوَى مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ عَنْهُ، (أَوْ) مِنْ (مَوْضِعٍ أَيْسَرَ فِيهِ)، أَيْ: قَدَرَ فِيهِ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَلَدِهِ. (وَأَجْزَأَ) فِعْلُ نَائِبٍ (عَمَّنْ عُوفِيَ) مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أُبِيحَ لِأَجْلِهِ الِاسْتِنَابَةُ، لِإِتْيَانِهِ بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنْ عُهْدَتِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ، وَالْمُعْتَبَرُ لِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ الْيَأْسُ ظَاهِرًا، سَوَاءٌ عُوفِيَ قَبْلَ فَرَاغِ نَائِبِهِ مِنْ النُّسُكِ أَوْ بَعْدَهُ، و(لَا) يُجْزِئُ مُسْتَنِيبًا إنْ عُوفِيَ (قَبْلَ إحْرَامِ نَائِبِهِ)، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمُبْدَلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ، وَمَنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ لَا يَسْتَنِيبُ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا يَرْجِعُ) الْمُسْتَنِيبُ (عَلَيْهِ)، أَيْ: عَلَى نَائِبِهِ (بِمَا أَنْفَقَ قَبْلَ أَنْ عُوفِيَ) الْمُسْتَنِيبُ، (بَلْ) يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِ مُسْتَنِيبِهِ (بَعْدَهُ)، أَيْ: بَعْدَ أَنْ شُفِيَ وَعَادَتْ عَافِيَتُهُ إلَيْهِ، (لِعَزْلِهِ) إيَّاهُ (إذَنْ)، أَيْ: بِمُجَرَّدِ شِفَائِهِ انْعَزَلَ نَائِبُهُ حُكْمًا، سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، قِيَاسًا عَلَى الْوَكِيلِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَسْقُطَانِ)، أَيْ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ (عَمَّنْ مَاتَ وَلَمْ يَجِدْ نَائِبًا)، لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا نَائِبِهِ. (وَمَنْ لَزِمَهُ) حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَوْ بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، (فَتُوُفِّيَ) قَبْلَهُ (وَلَوْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) مِنْ فِعْلِهِ: (بِحَبْسٍ بِحَقٍّ أَوْ ظُلْمٍ أَوْ اعْتِدَاءٍ)، وَكَانَ قَدْ اسْتَطَاعَ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ، وَخَلَّفَ مَالًا، (أُخْرِجَ عَنْهُ)، أَيْ: الْمَيِّتِ، (مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةً وَعُمْرَةً)، أَيْ: مَا يَفْعَلَانِهِ بِهِ (مِنْ حَيْثُ وَجَبَا)، أَيْ: بَلَدِ الْمَيِّتِ نَصًّا، لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ، أَكُنْت قَاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا اللَّهَ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ (وَيُجْزِئُ) أَنْ يُسْتَنَابَ عَنْ مَعْضُوبٍ أَوْ مَيِّتٍ لَهُ وَطَنَانِ (مِنْ أَقْرَبِ وَطَنَيْهِ)، لَتَخَيُّرِ الْمَنُوبِ عَنْهُ لَوْ أَدَّى بِنَفْسِهِ، (وَ) يُجْزِئُ أَنْ يُسْتَنَابَ عَنْهُ (مِنْ خَارِجِ بَلَدِهِ لِدُونِ مَسَافَةِ قَصْرٍ)، لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، و(لَا) يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنَابَ عَنْهُ مِمَّا (فَوْقَهَا) لِمَا تَقَدَّمَ، (فَلَا يُجْزِئُهُ) حَجُّ مَنْ اُسْتُنِيبَ عَنْهُ مِمَّا فَوْقَ الْمَسَافَةِ لِعَدَمِ إتْيَانِهِ بِالْوَاجِبِ. (وَيَسْقُطُ) حَجٌّ عَنْ مَيِّتٍ (بِحَجِّ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ مُطْلَقًا)، سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْوَارِثُ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ. (وَيَرْجِعُ) الْأَجْنَبِيُّ (عَلَى تَرِكَتِهِ)، أَيْ: الْمَيِّتِ بِمَا أَنْفَقَ (إنْ نَوَاهُ)، أَيْ: الرُّجُوعَ، لِقِيَامِهِ عَنْهُ بِوَاجِبٍ. و(لَا) يَسْقُطُ حَجٌّ (عَنْ) مَعْضُوبٍ (حَيٍّ) وَلَوْ مَعْذُورًا (بِلَا إذْنِهِ) كَدَفْعِ زَكَاةِ مَالِ حَيٍّ عَنْهُ بِلَا إذْنِهِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، (وَيَقَعُ) حَجُّ مَنْ حَجَّ عَنْ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ (عَنْ نَفْسِهِ)، أَيْ: الْحَاجِّ، (وَلَوْ) كَانَ الْحَجُّ (نَفْلًا) عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ بِلَا إذْنِهِ، (فَإِنْ جَعَلَ) الْحَاجُّ (ثَوَابَهُ)، أَيْ: ثَوَابَ حَجِّهِ، (لَهُ)، أَيْ: لِمَحْجُوجٍ عَنْهُ بِلَا إذْنِهِ، (حَصَلَ) لَهُ ذَلِكَ (لِمَا مَرَّ آخِرَ الْجَنَائِزِ) مِنْ قَوْلِهِمْ: وَكُلُّ قُرْبَةٍ فُعِلَتْ وَجُعِلَ ثَوَابُهَا لِحَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ، نَفَعَهُ ذَلِكَ. (وَمَنْ) وَجَبَ عَلَيْهِ نُسُكٌ وَمَاتَ قَبْلَهُ، و(ضَاقَ مَالُهُ) عَنْ أَدَائِهِ مِنْ بَلَدِهِ، اُسْتُنِيبَ بِهِ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ، (أَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ) وَعَلَيْهِ حَجٌّ، وَضَاقَ مَالُهُ عَنْهُمَا (أُخِذَ) مِنْ مَالِهِ (لِحَجٍّ بِحِصَّتِهِ)، كَسَائِرِ الدُّيُونِ، (وَحُجَّ بِهِ)، أَيْ: بِمَا أُخِذَ لِلْحَجِّ (مِنْ حَيْثُ بَلَغَ)، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأَتَوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (وَإِنْ مَاتَ) هُوَ (أَوْ) مَاتَ (نَائِبُهُ بِطَرِيقِهِ، حُجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ) هُوَ أَوْ نَائِبُهُ، لِأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ الْقَضَاءُ، وَالْمَنُوبُ عَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى وَطَنِهِ، ثُمَّ الْعَوْدُ لِلْحَجِّ مِنْهُ، فَيُسْتَنَابُ عَنْهُ (فِيمَا بَقِيَ) نَصًّا (مَسَافَةً وَفِعْلًا وَقَوْلًا)، لِوُقُوعِ مَا فَعَلَهُ قَبْلَ مَوْقِعِهِ وَإِجْزَائِهِ، (وَإِنْ صُدَّ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَجٌّ أَوْ نَائِبُهُ بِطَرِيقِهِ، (فَعَلَ مَا بَقِيَ) مَسَافَةً وَقَوْلًا وَفِعْلًا، لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ الْوَاجِبِ. (وَإِنْ وَصَّى) شَخْصٌ (ب) نُسُكٍ (نَفْلٍ وَأَطْلَقَ)، فَلَمْ يَقُلْ مِنْ مَحَلِّ كَذَا، (جَازَ) أَنْ يَفْعَلَ (مِنْ مِيقَاتِ بَلَدٍ) مَاتَ فِيهِ (مُوصٍ) نَصًّا، (مَا لَمْ تَمْتَنِعْ قَرِينَةٌ، كَبَذْلِ مَالٍ كَثِيرٍ) يُمْكِنُ الْحَجُّ بِهِ مِنْ بَلَدِهِ، فَيُسْتَنَابُ بِهِ مِنْهُ لِحَجٍّ وَجَبَ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِحَجٍّ مِنْ مَحَلِّ وَصِيَّتِهِ، حُجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ، أَوْ يُعَانُ بِهِ فِي الْحَجِّ نَصًّا.

.(فَصْلٌ): [توكيل من لم يحج عن نفسه بالحج]:

(وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرْ عَنْ نَفْسِهِ) أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ عَنْ غَيْرِهِ، (وَلَوْ) كَانَ حَجَّ حَجَّةً فَاسِدَةً وَوَجَبَ عَلَيْهِ (الْقَضَاءُ)، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرُ حَجٍّ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ (حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ عَنْ غَيْرِهِ)، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ: حَجَجْت عَنْ نَفْسِك؟ قَالَ: لَا؟ قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِك، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. وَفِي رِوَايَةِ: صَالِحٍ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَلِأَنَّهُ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ حَجِّهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ كَانَ صَبِيًّا، (وَلَا) عَنْ (نَذْرِهِ وَ) لَا عَنْ (نَافِلَتِهِ)، أَيْ: الْغَيْرِ حَيًّا كَانَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ أَوْ مَيِّتًا. وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِنَذْرِهِ وَلَا نَافِلَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَجُّ الْإِسْلَامِ أَوْ عُمْرَتُهُ، (فَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَأَحْرَمَ بِنَذْرٍ أَوْ نَافِلَةٍ إذَنْ، (انْصَرَفَ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ أَوْ الْقَضَاءِ) فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ: «هَذِهِ عَنْك، وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ»، وَقَوْلُهُ: «حُجَّ عَنْ نَفْسِك»، أَيْ: اسْتَدِمْهُ عَنْ نَفْسِك، كَقَوْلِك لِلْمُؤْمِنِ: آمِنْ، وَلِأَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ مُلْغَاةٌ، فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا وَحِينَئِذٍ: فَيَرُدُّ النَّائِبُ مَا أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِهِ لِيَحُجَّ عَنْهُ لِعَدَمِ إجْزَاءِ حَجِّهِ عَنْهُ، وَوُقُوعِهِ عَنْ نَفْسِهِ، (وَالنَّائِبُ كَمَنُوبٍ عَنْهُ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرِ مَنُوبِهِ وَقَعَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ)، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجُّ قَضَاءٍ، وَأَحْرَمَ بِنَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ، وَقَعَ عَنْ الْقَضَاءِ دُونَ مَا نَوَاهُ. (وَيَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ عَاجِزٍ أَوْ مَيِّتٍ وَاحِدٍ فِي فَرْضِهِ وَآخَرَ فِي نَذْرِهِ فِي عَامٍ) وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ نَوْعُهُمَا، (وَأَيُّهُمَا)، أَيْ: النَّائِبَيْنِ (أَحْرَمَ أَوَّلًا)، أَيْ: قَبْلَ الْآخَرِ، (فَعَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ) الْحَجَّةُ (الْأُخْرَى) الَّتِي تَأَخَّرَ إحْرَامُ نَائِبِهَا (عَنْ نَذْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ)، أَيْ: الثَّانِي عَنْ النَّذْرِ، لِأَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ فِيهِ عَنْ التَّعْيِينِ ابْتِدَاءً، لِانْعِقَادِهِ بِهِمَا ثُمَّ يُعَيَّنُ، وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحَجِّ.
(وَ) إنْ أَحْرَمَ (بِنَفْلٍ مَنْ عَلَيْهِ نَذْرٌ، ف) يَقَعُ إحْرَامُهُ (عَنْ نَذْرِهِ، أَشْبَهَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ)، وَتَقَدَّمَ. (وَيَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، وَ) أَنْ (يَتَنَفَّلَ بِهِ)، أَيْ: الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، (مَنْ) حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَلَكِنْ (عَلَيْهِ عُمْرَةٌ، وَعَكْسُهُ)، أَيْ: يَصِحُّ أَنْ يَعْتَمِرَ عَنْ غَيْرِهِ وَيَتَنَفَّلَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَنْ اعْتَمَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ حَجٌّ، لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَنُوبَ مَنْ عَلَيْهِ نُسُكٌ عَنْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ النُّسُكِ.
(وَ) يَصِحُّ (أَنْ يَجْعَلَ قَارِنٌ) أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ أَوْ بِهَا، ثُمَّ بِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي، (الْحَجَّ عَنْ شَخْصٍ) اسْتَنَابَهُ فِيهِ، (وَالْعُمْرَةَ عَنْ) شَخْصٍ (آخَرَ) اسْتَنَابَهُ فِيهَا (بِإِذْنِهِمَا)، أَيْ: الشَّخْصَيْنِ، لِأَنَّ الْقِرَانَ نُسُكٌ مَشْرُوعٌ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنَا، وَقَعَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَنْ النَّائِبِ، وَرَدَّ لَهُمَا مَا أَخَذَهُ مِنْهُمَا، كَمَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ، أَوْ عَكْسِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
(وَ) يَصِحُّ (أَنْ يَسْتَنِيبَ قَادِرٌ) عَلَى حَجٍّ (وَغَيْرُهُ)، أَيْ: غَيْرُ الْقَادِرِ عَلَيْهِ، (فِي نَفْلِ حَجٍّ وَ) فِي (بَعْضِهِ) كَالصَّدَقَةِ، وَكَذَا عُمْرَةٍ. وَيَصِحُّ نُسُكُ نَفْلٍ عَنْ مَيِّتٍ، وَيَقَعُ عَنْهُ وَكَأَنَّهُ مُهْدٍ إلَيْهِ ثَوَابَهُ، (وَالنَّائِبُ) فِي نُسُكٍ (أَمِينٌ فِيمَا أُعْطِيَهُ) مِنْ مَالٍ (لِيَحُجَّ مِنْهُ) أَوْ يَعْتَمِرَ فَيَرْكَبُ وَيُنْفِقُ مِنْهُ بِمَعْرُوفٍ، فَإِنْ زَادَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ (ف) إنَّهُ (يَضْمَنُ). (وَيَتَّجِهُ): مَحِلُّ ذَلِكَ (حَيْثُ لَا عَقْدَ بِجُعْلٍ مَعْلُومٍ)، أَمَّا لَوْ عَقَدَ مَعَ الْمُسْتَنِيبِ عَلَى جُعْلٍ مَعْلُومٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ حِينَئِذٍ فِي مَالِ نَفْسِهِ، فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (مَا زَادَ)، أَيْ: أَنْفَقَهُ زَائِدًا (عَلَى نَفَقَةِ الْمَعْرُوفِ، أَوْ) مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ (طَرِيقٍ أَقْرَبَ) مِنْ الطَّرِيقِ الْبَعِيدِ إذَا سَلَكَهُ (بِلَا ضَرَرٍ) فِي سُلُوكِ أَقْرَبَ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا، (وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يَرُدَّ مَا فَضَلَ) مِنْ نَفَقَتِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ لَهُ الْمُسْتَنِيبُ، وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ النَّفَقَةَ مِنْهُ، قَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ فِي: حُجَّ عَنِّي بِهَذَا، فَمَا فَضَلَ لَك: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ تِجَارَةً قَبْلَ حَجِّهِ. (وَيَحْسِبُ لَهُ)، أَيْ: النَّائِبُ (نَفَقَةَ رُجُوعِهِ) بَعْدَ أَدَاءِ النُّسُكِ بِمَكَّةَ إلَّا أَنْ يَتَّخِذَهَا دَارَ إقَامَةٍ وَلَوْ سَاعَةً، فَلَا يَحْتَسِبُ لَهُ نَفَقَةَ الرُّجُوعِ، لِسُقُوطِهَا، فَلَمْ تُعَدَّ اتِّفَاقًا.
(وَ) يَحْسِبُ لَهُ نَفَقَةَ (خَادِمِهِ إنْ خُدِمَ)، بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، (مِثْلُهُ)، لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ. وَإِنْ مَاتَ أَوْ ضَلَّ أَوْ صُدَّ أَوْ مَرِضَ أَوْ تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ، أَوْ أَعْوَزَ بَعْدَهُ، لَمْ يَضْمَنْ، وَيُصَدَّقُ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَمْرًا ظَاهِرًا فَيُبَيِّنُهُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ لَهُ صَرْفُ نَقْدٍ بِآخَرَ لِمُصْلِحَتِهِ، وَشِرَاءُ مَاءٍ لِطَهَارَتِهِ، وَتَدَاوٍ، وَدُخُولِ حَمَّامٍ. (وَيَرْجِعُ) نَائِبٌ (بِمَا اسْتَدَانَهُ لِعُذْرٍ) عَلَى مُسْتَنِيبِهِ، (وَ) يَرْجِعُ (بِمَا أَنْفَقَ عَنْ)، أَيْ: عَلَى (نَفْسِهِ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ)، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ حَاكِمًا، لِقِيَامِهِ عَنْهُ بِوَاجِبٍ، (وَمَا لَزِمَ نَائِبًا مِنْ دَمٍ وَغَيْرِهِ) كَفِعْلِ مَحْظُورٍ (ب) سَبَبِ (مُخَالَفَتِهِ، فَمِنْهُ)، أَيْ: النَّائِبِ، لِأَنَّهُ بِجِنَايَتِهِ (حَتَّى دَمِ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِمَا)، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ مُسْتَنِيبُهُ، فَعَلَيْهِ. (وَنَفَقَةُ حَجٍّ فَسَدَ عَلَى نَائِبٍ، كَقَضَائِهِ، وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ)، لِأَنَّ النُّسُكَ لَمْ يَقَعْ عَنْ مُسْتَنِيبِهِ لِجِنَايَتِهِ وَتَفْرِيطِهِ. (وَيَتَّجِهُ: تَبَيُّنُ وُقُوعِ) فِعْلِ (الْحَجِّ مِنْ أَصْلِهِ عَنْ النَّائِبِ)، لِيَتَوَجَّهَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ اثْنَيْنِ) اسْتَنَابَاهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ عَنْهُمَا، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِوُقُوعِهِ عَنْهُ مِنْ الْآخَرِ، (أَوْ) أَحْرَمَ عَنْ (أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ)، وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ دُونَهُمَا، أَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، (وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ)، لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ فِيمَا سَبَقَ وَلَمْ يَنْوِهَا، فَمَعَ نِيَّتِهِ أَوْلَى، وَيَرُدُّ لَهُمَا مَا أَخَذَهُ مِنْهُمَا. (وَمَنْ أَخَذَ مِنْ اثْنَيْنِ أُجْرَةَ حَجَّتَيْنِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا فِي عَامٍ) وَاحِدٍ، (أُدِّبَ)، لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا، نَصَّ عَلَيْهِ، (وَمَنْ اسْتَنَابَهُ اثْنَانِ بِعَامٍ) وَاحِدٍ (فِي نُسُكٍ، فَأَحْرَمَ) بِهِ (عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَنْسَهُ، صَحَّ، وَلَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ لِلْآخَرِ بَعْدَهُ) نَصًّا، وَلَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَرَمَى، لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمَبِيتِ لَيَالِيَ مِنًى، وَرَمْيُ الْجِمَارِ أَيَّامُهَا بَاقِيَةٌ، فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُ إحْرَامٍ عَلَى إحْرَامٍ. (وَإِنْ نَسِيَهُ)، أَيْ: نَسِيَ مَنْ أَحْرَمَ عَنْهُ مِنْهُمَا، (وَتَعَذَّرَ) عَلَيْهِ (عِلْمُهُ فَإِنْ فَرَّطَ) النَّائِبُ (أَعَادَ الْحَجَّ عَنْهُمَا)، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا، لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّتِهِ، بَلْ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ، (وَإِنْ فَرَّطَ مُوصًى إلَيْهِ) بِذَلِكَ، بِأَنْ لَمْ يُسَمِّهِ لِلنَّائِبِ، (غَرِمَ) مُوصًى إلَيْهِ (ذَلِكَ)، أَيْ: نَفَقَةَ الْحَجِّ عَنْهُمَا، (وَإِلَّا) يَكُنْ ذَلِكَ بِتَفْرِيطِ النَّائِبِ وَلَا الْمُوصَى إلَيْهِ، بِأَنْ سَمَّاهُ لِلنَّائِبِ وَعَيَّنَهُ ابْتِدَاءً، لَكِنَّهُ نَسِيَهُ، فَالنَّفَقَةُ عَنْهُمَا (مِنْ تَرِكَةِ مُوصِيَيْهِ) الْمُسْتَنَابِ عَنْهُمَا، لِعَدَمِ التَّفْرِيطِ، (وَلَا تُعْتَبَرُ تَسْمِيَةُ نَائِبٍ) مَنْ اسْتَنَابَهُ (لَفْظًا) نَصًّا، (فَلَوْ جَهِلَ) النَّائِبُ (اسْمَهُ)، أَيْ: الْمُسْتَنِيبِ، (أَوْ نَسِيَهُ، لَبَّى عَمَّنْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ بِهِ عَنْهُ)، لِحَلِّ التَّمْيِيزِ بِذَلِكَ. (وَيَتَعَيَّنُ نَائِبٌ بِتَعْيِينِ وَصِيٍّ) جُعِلَ (لَهُ التَّعْيِينُ)، لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي، (فَإِنْ أَبَى) الْوَصِيُّ التَّعْيِينَ، (عَيَّنَ غَيْرَهُ) كَوَارِثٍ أَوْ حَاكِمٍ، (وَيَأْتِي فِي) بَابِ (الْمُوصَى لَهُ) بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا.

.(فَرْعٌ): [الحج عن الأبوين]:

(سُنَّ أَنْ يَحُجَّ) وَيَعْتَمِرَ (عَنْ أَبَوَيْهِ) إنْ كَانَا (مَيِّتَيْنِ أَوْ عَاجِزَيْنِ)، زَادَ بَعْضُهُمْ: إنْ لَمْ يَحُجَّا، (وَيُقَدِّمُ أُمَّهُ، لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْبِرِّ، وَ) يُقَدِّمُ (وَاجِبَ أَبِيهِ عَلَى نَفْلِهَا) لِإِبْرَائِهِ ذِمَّتَهُ، نَصَّ عَلَيْهِمَا. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ وَالِدَيْهِ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَعَنْهُمَا، وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِي السَّمَاءِ وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بِرًّا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْبَقَّالُ ضَعِيفَانِ.

.(فَصْلٌ): [اشتراط الْمَحْرمِ للحاجّة والمعتمرة]:

(وَشُرِطَ لِوُجُوبِ سَعْيٍ) لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (عَلَى أُنْثَى مَحْرَمٌ) شَابَّةً كَانَتْ أَوَعَجُوزًا نَصًّا. قَالَ: الْمَحْرَمُ مِنْ السَّبِيلِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ، لَمْ يَلْزَمْهَا الْحَجُّ بِنَفْسِهَا وَلَا بِنَائِبِهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يُدْخَلُ عَلَيْهَا إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ، فَقَالَ: اُخْرُجْ مَعَهَا» رَوَاه أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا مَحْرَمٌ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِمُسْلِمٍ: «ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» وَالْخُنْثَى كَالرَّجُلِ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ فِي حَقِّهِ.
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (وَيُعْتَبَرُ) الْمَحْرَمُ (لَهَا)، أَيْ: لِلْأُنْثَى (حَيْثُ بَلَغَتْ سَبْعًا) فَأَكْثَرَ (فِي كُلِّ سَفَرٍ) حَجًّا كَانَ أَوْ غَيْرِهِ، طَوِيلًا كَانَ أَوْ قَصِيرًا، (فَلَا يَحِلُّ) لَهَا السَّفَرُ (بِدُونِهِ)، أَيْ: الْمَحْرَمِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ لِخُرُوجِهَا (بِأَطْرَافِ الْبَلَدِ مَعَ أَمْنٍ) عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَفَرٍ (وَهُوَ)، أَيْ: الْمَحْرَمُ الْمُعْتَبَرُ لِوُجُوبِ النُّسُكِ وَجَوَازِ السَّفَرِ مَعَهُ: (زَوْجٌ)، وَسُمِّيَ مَحْرَمًا مَعَ حِلِّهَا لَهُ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ صِيَانَتِهَا وَحِفْظِهَا بِهِ، مَعَ إبَاحَةِ الْخَلْوَةِ بِهَا، (أَوْ سَيِّدٌ)، لِأَنَّهُ كَالزَّوْجِ (لَا سَيِّدَةٌ) لِأَنَّهَا لَا تَقْوَى عَلَى صِيَانَةِ نَفْسِهَا فَضْلًا عَنْ أَمَتِهَا.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، أَيْ: الْأَصْحَابِ: اعْتِبَارُ الْمَحْرَمِ لِلْكُلِّ، أَيْ: الْأَحْرَارِ وَإِمَائِهِنَّ وَعُتَقَائِهِنَّ، لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَعَدَمِ الْمَحْرَمِ لَهُنَّ كَعَدَمِهِ لِلْحُرَّةِ الْأَصْلِ، (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ يُسَافِرْنَ مَعَهَا تَبَعًا لَهَا، فَلَا يَفْتَقِرْنَ إلَى مَحْرَمٍ، لِأَنَّهُنَّ لَا مَحْرَمَ لَهُنَّ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ. انْتَهَى.
(وَيَتَّجِهُ): اعْتِبَارُ الْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ مُطْلَقًا، (إلَّا إنْ سَافَرَتْ السَّيِّدَةُ مَعَ مَحْرَمٍ، وَاحْتَاجَتْ إلَيْهَا)، أَيْ: إلَى أَمَتِهَا، فَلَهَا أَنْ تَصْحَبَهَا مَعَهَا مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ اكْتِفَاءً بِمَحْرَمِ سَيِّدَتِهَا، وَلَوْ حَمَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ الشَّيْخِ عَلَى هَذَا، لَكَانَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: خِلَافًا لَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (أَوْ ذَكَرٌ) مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا، فَأُمُّ الْمَرْأَةِ وَبِنْتُهَا لَيْسَتْ مَحْرَمًا لَهَا، وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ كَذَلِكَ (مُسْلِمٌ)، فَأَبٌ وَنَحْوُهُ كَافِرٌ لَيْسَ مَحْرَمًا لِمُسْلِمَةٍ نَصًّا، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا كَالْحَضَانَةِ، وَكَالْمَجُوسِيِّ لِاعْتِقَادِهِ حِلَّهَا، (مُكَلَّفٌ)، إذْ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ: لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحِفْظِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَحْرَمُ (عَبْدًا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ (تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا) كَأَبٍ وَأَخٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ وَلَدِ زَوْجٍ أَوْ أَبِيهِ (لِحُرْمَتِهَا، بِخِلَافِ مُلَاعَنَةٍ)، فَلَيْسَ الْمُلَاعِنُ مَحْرَمًا لَهَا، لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ أَبَدًا تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ (بِنَسَبٍ) كَأُبُوَّةٍ وَبُنُوَّةٍ وَأُخُوَّةٍ وَنَحْوِهَا، (أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ، كَحَلَائِلِ آبَاءٍ وَأَبْنَاءٍ وَأُمَّهَاتِ نِسَاءٍ، بِخِلَافِ وَطْءِ زِنًا أَوْ شُبْهَةٍ)، لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ نِعْمَةٌ، فَاعْتُبِرَ إبَاحَةُ سَبَبِهَا كَسَائِرٍ الرُّخَصِ. (وَيَتَّجِهُ: احْتِمَالُ لَوْ تَزَوَّجَهَا)، أَيْ: الْمَزْنِيَّ بِهَا (بَعْدُ)، أَيْ: بَعْدَ زِنَاهُ بِهَا، وَبَعْدَ أَنْ تَابَتْ، (لَا يَعُودُ مَحْرَمًا) لَهَا وَلَا لِأُمَّهَاتِهَا وَبَنَاتِهَا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، كَذَا قَالَ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ تَصْرِيحًا وَلَا تَلْوِيحًا، بَلْ مَتَى تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ صَارَ مَحْرَمًا لَهَا، فَيَحِلُّ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا وَالسَّفَرُ بِلَا رَيْبٍ، (سِوَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّحْرِيمِ دُونَ الْمَحْرَمِيَّةِ. (وَنَفَقَتُهُ)، أَيْ: الْمَحْرَمِ زَمَنَ سَفَرِهِ مَعَهَا لِأَدَاءِ نُسُكِهَا (وَلَوْ) كَانَ الْمَحْرَمُ (زَوْجَهَا)، فَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ بِقَدْرِ نَفَقَةِ الْحَضَرِ وَمَا زَادَ ف (عَلَيْهَا)، أَيْ: الْمَرْأَةِ، لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهَا، (فَيُشْتَرَطُ لَهَا)، أَيْ: لِوُجُوبِ النُّسُكِ عَلَيْهَا (مِلْكُ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ) بِآلَتِهِمَا (لَهُمَا)، أَيْ: لِلْمَرْأَةِ وَمَحْرَمِهَا، وَأَنْ تَكُونَ الرَّاحِلَةُ وَآلَتُهَا صَالِحِينَ لَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ ذَلِكَ لَهُمَا، لَمْ يَلْزَمْهَا (وَلَا يَلْزَمُهُ)، أَيْ: الْمَحْرَمُ، (مَعَ بَذْلِهَا ذَلِكَ)، أَيْ: الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ لَهُ وَمَا يَحْتَاجُهُ، (سَفَرٌ مَعَهَا) لِلْمَشَقَّةِ كَحَجِّهِ عَنْ نَحْوِ كَبِيرَةٍ عَاجِزَةٍ، وَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا سَبَقَ الزَّوْجَ بِسَفَرِهِ مَعَهَا إمَّا بَعْدَ الْحَظْرِ أَوْ أَمْرَ تَخْيِيرٍ، لِعِلْمِهِ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يُعْجِبُهُ السَّفَرُ مَعَهَا، (وَتَكُونُ) إنْ امْتَنَعَ مَحْرَمُهَا مِنْ سَفَرٍ مَعَهَا (كَمَنْ لَا مَحْرَمَ لَهَا)، فَلَا وُجُوبَ عَلَيْهَا، (فَإِنْ) لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ و(تَزَوَّجَتْ مَنْ)، أَيْ: زَوْجًا (يَحُجُّ بِهَا، فَلَا بَأْسَ)، وَلَيْسَ الْعَبْدُ مَحْرَمًا لِسَيِّدَتِهِ نَصًّا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مَالِكَةً لَهُ، لِحَدِيثِ: «سَفَرُ الْمَرْأَةِ مَعَ عَبْدِهَا ضَيْعَةٌ» وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا، وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَلَوْ جَازَ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا، لِأَنَّهُ لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ. (وَمَنْ أَيِسَتْ مِنْهُ)، أَيْ: الْمَحْرَمِ، (اسْتَنَابَتْ) مَنْ يَفْعَلُ النُّسُكَ عَنْهَا كَكَبِيرٍ عَاجِزٍ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ أَنْ أَيِسَتْ مِنْ الْمَحْرَمِ، وَبَعْدَ أَنْ حُجَّ عَنْهَا، أَجْزَأَهَا، لِأَنَّهَا كَالْمَعْضُوبِ إذَا عُوفِيَ بَعْدَ الْحَجِّ عَنْهُ وَالْمُرَادُ: أَيِسَتْ بَعْدَ أَنْ وَجَدَتْ الْمَحْرَمَ، وَفَرَّطَتْ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى فُقِدَ، لِنَقْلِ إِسْحَاقَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَرْأَةِ لَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ: هَلْ تَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ يَحُجُّ عَنْهَا؟ فَقَالَ: إذَا كَانَتْ قَدْ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحْرَمِ، فَأَرَى أَنْ تُجَهِّزَ رَجُلًا يَحُجُّ عَنْهَا، (وَإِنْ حَجَّتْ) امْرَأَةٌ (بِدُونِهِ)، أَيْ: الْمَحْرَمِ، (حَرُمَ) سَفَرُهَا بِدُونِهِ (وَأَجْزَأَ) حَجُّهَا، كَمَنْ حَجَّ وَتَرَك حَقًّا يَلْزَمُ مِنْ نَحْوِ دَيْنٍ، لَكِنْ لَا يَتَرَخَّصُ. (وَإِنْ مَاتَ) مَحْرَمٌ سَافَرَتْ مَعَهُ (بِالطَّرِيقِ) وَكَانَ (بَعِيدًا) عَنْ وَطَنِهَا (مَضَتْ فِي حَجِّهَا) لِأَنَّهَا لَا تَسْتَفِيدُ بِرُجُوعِهَا شَيْئًا، لِأَنَّهُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، (وَلَمْ تَصِرْ مُحْصَرَةٍ)، إذْ لَا تَسْتَفِيدُ بِالتَّحْلِيلِ زَوَالُ مَا بِهَا كَالْمَرِيضِ (وَ) وَإِنْ مَاتَ الْمَحْرَمُ (قَرِيبًا)، فَعَلَيْهَا أَنْ (تَرْجِعَ)، لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْعَاجِزَةِ. (وَإِنْ كَانَ) الْمَحْرَمُ (زَوْجًا، فَيَأْتِي فِي الْعِدَدِ) أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحْرِمَ، فَإِنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ اعْتَدَّتْ بِمَنْزِلِهِ، وَبَعْدَهَا تُخَيَّرُ بَيْنَ مُضِيٍّ وَرُجُوعٍ.